عمان - سمر حدادين
لم تمنع التشريعات التي تحظر تشغيل الأطفال الذين لم يكملوا سن 16 عاما، وعدم تشغيل الأطفال بين سن 16– 18 عاما في الأعمال الخطرة، من تضاعف أعدادهم بصورة لافتة وفقا للمرصد العمالي الأردني.
وبين المرصد، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، في ورقة موقف أصدرها أمس بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، أن الواقع أقوى من مختلف هذه التشريعات والسياسات.
وأشارت الورقة إلى أن «أعداد الأطفال المنتشرين بكثرة في سوق العمل» الأردني والمؤشرات الاحصائية الجديدة كفيلة بإعطاء «صورة أكثر واقعية من المؤشرات الاحصائية الرسمية وغير الرسمية» التي يتداولها صناع السياسات والباحثون والمختصون والمؤسسات الرسمية والدولية.
وأوضحت الورقة أن أحدث المؤشرات الاحصائية التي أعدتها منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل ومركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية عام 2016، أظهرت أن عدد الأطفال العاملين يقارب 76 الفا.
أما من تنطبق عليهم معايير عمالة الأطفال فبلغ عددهم نحو 70 ألفا، وأن عدد الأطفال العاملين في أعمال خطرة يقارب 45 الفا.
ومعايير عمل الأطفال تتمثل في جميع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما، والأطفال بين 16-17 عاما ويعملون لأكثر من 26 ساعة في الأسبوع، والأطفال أقل من 18 عاما ويعملون في أعمال خطرة. واشارت الورقة إلى أن واقع الظروف الاقتصادية والاجتماعية أقوى من التشريعات والسياسات الأردنية التي منعت تشغيل الأطفال، ولم تمنع النصوص التشريعية الأردنية الواضحة التي تحظر تشغيل الأطفال من اتساع رقعة عمالة الأطفال في المملكة.
وتفيد المؤشرات الى ارتفاع عمالة الأطفال في الأردن مقارنة مع المؤشرات الاحصائية قبل عشر سنوات، (بلغت 33 ألفا عام 2006)، التي تشير الى أن عمالة الأطفال تضاعفت تقريبا بين الأردنيين.
وبلغت نسبة الأطفال الأردنيين من مجمل الأطفال العاملين 80.% بواقع 60,8 الف، بينما بلغ عدد الأطفال العاملين من السوريين وجنسيات أخرى 20% بواقع 15,2 الف. وتبلغ نسبة الفتيات العاملات من مجمل الأطفال العاملين 11,7%.
وأرجعت الورقة ارتفاع معدلات عمالة الأطفال الى عدة أسباب منها عوامل داخلية مرتبطة ببنية وطبيعة الواقع الاجتماعي والاقتصادي في الأردن، وأسباب خارجية مرتبطة بوجود مئات آلاف اللاجئين السوريين خلال السنوات القليلة الماضية.
وقالت الورقة إن تفاقم التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، وضعف مؤشرات العدالة الاجتماعية، والتي نجمت بشكل أساسي عن تنفيذ سياسات اقتصادية لا تأخذ بعين الاعتبار النتائج والآثار الاجتماعية لهذه السياسات، والتي تركزت خلال العقود الماضية على تحرير الاقتصاد الوطني، والامعان بتنفيذ سياسات مالية تقشفية متنوعة، الذي أدى على أرض الواقع الى تراجع المستويات المعيشية لقطاعات كبيرة من الأسر الأردنية والتي برزت مؤشراتها بشكل واضح في ازدياد رقعة الفقراء.
فالمؤشرات الرسمية ذات العلاقة، التي أوردتها الورقة، تفيد أن نسبة الفقر في الأردن ارتفع من 13.3% عام 2008 الى 14.4% عام 2010، واقترابها من 20% عام 2014، ناهيك عن نسبة «الفقراء العابرين» الذين عاشوا الفقر ثلاثة اشهر على الأقل في السنة، وهم الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، والتي تشير أرقام البنك الدولي الحديثة أن نسبتهم تقارب 18.6% من المجتمع.
وأشارت الورقة إلى أنه لا يوجد مؤشرات حديثة ونحن الان في منتصف عام 2017 توضح مستويات الفقر في الأردن. والأطفال العاملين عادة ما يكونوا من أسرة فقيرة، تضطر هذه الأسر لدفع ابنائها الى سوق العمل للمساهمة في توفير دخل للأسرة، و/أو غير قادرة على الاستمرار في الانفاق على اطفالها في المدارس.
وأدى اللجوء السوري بحسب الورقة، الى زيادة عمالة الاطفال في الأردن، حيث بلغت عمالة الاطفال السوريين نحو 11 الفا، بنسبة 14.6% من مجمل عمالة الأطفال، بسبب ضعف الخدمات الأساسية التي تقدمها المنظمات الدولية ذات العلاقة باغاثة اللاجئين السوريين، بحيث لا تكفي المساعدات التي تقدمها لهم هذه المنظمات بمستويات مقبولة من شروط الحياة اللائقة، ما يدفع هذه الأسر الى تشجيع أطفالها للانخراط بسوق العمل.
وأوضحت الورقة أن الأطفال العاملين يتعرضون للعديد من المخاطر أثناء عملهم وأبرزها الضرر من الآلات الثقيلة والأصوات العالية والإضاءة الضعيفة والتعرض للمواد الكيميائية، ولإصابات عمل عديدة بحكم عدم مواءمة قدراتهم الجسمانية وطبيعة الأعمال التي يقومون بها.
ووفقا للدراسة، يبلغ معدل أجور الأطفال العاملين 171 دينارا شهريا، وعند الاردنيين 174 دينارا، بينما عند السوريين 159 دينارا شهريا، أما عند الاناث فهي أعلى من الذكور، فقد بلغت 190 دينارا مقارنة ب 170 دينارا عند الذكور.
وهنالك نحو ثلث الأطفال العاملين يعملون أكثر من 48 ساعة أسبوعيا، بينما يعمل 55% منهم أقل من 36 ساعة اسبوعيا. في تعمل 90% من الأطفال الاناث اقل من 36 ساعة اسبوعيا. ويتعرضون كذلك الى سوء المعاملة والاهانات النفسية والجسدية أثناء عملهم، وفي العديد من الحالات الى اعتداءات جنسية.
ويعاني الأطفال العاملون، بحسب الدراسة ذاتها، مشكلات واضطرابات نفسية واجتماعية وجسمية. كذلك فإن العاملين منهم في المهن الصعبة يتعرضون لاصابات العمل التي يمكن أن تسبب لهم بعض الإعاقات.
وغالبا ما تترك الأعمال التي يمارس فيها سلوكيات استغلالية نفسية وجسدية إلى زرع الإحساس بالدونية والظلم، ما يدفع العديد من الأطفال إلى الانحراف والتمرد على معايير وقيم المجتمع. إلى جانب ارتفاع نسب العمالة غير الماهرة في سوق العمل بسبب عدم خضوعهم للتدريب الممنهج، الأمر الذي يجعل إنتاجيتهم متدنية.
وأوصت الورقة بضرورة اعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي عززت التفاوت الاجتماعي وأدت الى زيادة معدلات الفقر، وضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، للحؤول دون اضطرارهم لدفع أطفالهم الى سوق العمل لمساعدة أسرهم في تغطية نفقاتهم الأساسية.
وطالبت بتطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم، وتشديد الرقابة من قبل المؤسسات الرسمية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال، والعمل على تطبيق القوانين التي تحظر عمل الأطفال، ووضع عقوبات رادعة بحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، هذا إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناتجة عن عمل الأطفال في المدارس والأسر، وضرورة تطوير قاعدة بيانات دقيقة يتم تحديثها دوريا لعمالة الأطفال في الأردن.